أخر الاخبار

البصرة ستغرق.. خارطة دولية لمناخ العراق وتحدياته

 


رسمت وكالة الطاقة الدولية التي تتخذ من باريس مقرا لها، خريطة شاملة لتحديات الطاقة في العراق مع التركيز على المصاعب والأزمات التي يواجهها البلد، وتلك التي سيواجهها وصولا حتى نهاية القرن الحالي مع احتمال ارتفاع درجات الحرارة 5 درجات مئوية، وهي تعد مخاطر مناخية تشكل اختبارا لقدرة العراق على التكيف والمرونة.

ووفقا لتقرير الوكالة الدولية، الذي ترجمته وكالة "جدار بغداد" ، فإن "العراق شهد خلال الفترة من العام 2000 إلى العام 2023، معدل زيادة في الحرارة قدره 0.48 درجة مئوية لكل عقد، وهو ما يتخطى المتوسط العالمي البالغ 0.37 درجة مئوية، في حين أنه من المتوقع استمرار درجات الحرارة في الارتفاع بمقدار 2.5 درجة مئوية، فيما لو حدث سيناريو الانبعاثات المنخفضة، وبمقدار 5.6 درجة مئوية في حال حدث سيناريو الانبعاثات المرتفعة، وذلك بحلول نهاية القرن، مقارنة بمرحلة ما قبل الحقبة الصناعية 1850 – 1900".

ونبه التقرير، إلى أن "نظام الكهرباء في العراق يتعرض لضغوط كبيرة، حيث تعتبر خسائر نقل الكهرباء من بين أعلى المعدلات في العالم، وهي بنسبة 50-60٪".

لكن التقرير رجح أن "يؤدي ارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى موجات الحر المتكررة والمكثفة، إلى تزايد الطلب على تكييف الهواء والتبريد، مما يفاقم بشكل كبير من الطلب، ويضفي صعوبة أكبر على تشغيل الشبكة خلال موجات الحرارة، بالإضافة إلى انخفاض إنتاج محطات الطاقة التي تعمل بالغاز وزيادة الخسائر الناجمة عن نقل الشبكة".

ومن بين التحديات أيضا، لفت التقرير، إلى أن "مناطق العراق تتمتع بتباين كبير في هطول الأمطار السنوي، مع انخفاض متوقع في الشمال وزيادة في الجنوب، ويواجه أيضا الجفاف كخطر متزايد، وهو ما يشكل تحديات كبيرة لموارد المياه في البلد، ويهدد انشطة استخراج النفط والغاز في العراق، والتي تعتمد بشكل كبير على توافر المياه لتشغيلها".

وبين أنه "من المفارقات، فإن العراق ايضا من بين أكثر الدول المعرضة لفيضانات الأنهار، وهو ما يعكس أنماط طقس متطرفة، كهطول الأمطار الغزيرة بعد فترات طويلة من الجفاف، ما يخلق الظروف المؤاتية للفيضانات، ويشكل خطرا إضافيا على البنية التحتية للطاقة".

وأكمل التقرير، أن "العواصف الرملية والترابية أصبحت أكثر تواترا وحدة في السنوات الـ20 الماضية، ما يفرض تهديدات كبيرة أيضا على قطاع الطاقة في العراق، ويحد من إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية بنسبة تزيد عن 60٪، في وقت يخطط العراق للوصول إلى 12 جيجاوات من الطاقة الشمسية الكهروضوئية في العام 2030، أي نحو ربع قدرة توليد الطاقة المثبتة حاليا تى ذلك الموعد". 

 

مخاطر كبيرة 

وذكرت وكالة الطاقة الدولية، أن "قطاع الطاقة في العراق يواجه مخاطر هائلة نتيجة لارتفاع درجات الحرارة وموجات الحر والجفاف، مما يزيد من تفاقم شح المياه"، مضيفة أن "هذه المخاطر المناخية تعتبر حاسمة بشكل خاص فيما يتعلق بنظام الكهرباء المعرض بالفعل لمخاطر واضطرابات".

وأشارت أيضا إلى أنه "بينما أقر العراق بأهمية دمج اعتبارات تغير المناخ في سياساته، فإن الأطر الوطنية المعتمدة لا تزال في حالة تطوير"، مذكرا بأن العراق قدم في العام 2021، أول مساهماته المحددة وطنيا، كما بدأ في تطوير خطة التكيف الوطنية.

ومن أجل إقامة نظام طاقة مقاوم للمناخ في العراق، وتعزيز مرونة قطاع الطاقة في العراق، طرح التقرير عدة مقترحات من بينها: تنفيذ المزيد من تدابير سياسة الطاقة ودمج معايير المرونة المناخية في الممارسات السائدة،  تركيز الاستثمارات على إعادة بناء وتطوير البنية التحتية القادرة على تحمل تأثيرات التغير المناخي، توفير الحماية أيضا ضد التهديدات المادية والتهديدات السيبرانية، إعطاء الأولوية لتوليد الطاقة الموزعة والشبكات الصغيرة، والتي يمكن فصلها عن الشبكة الرئيسية في حالة حدوث اضطرابات واسعة في الشبكة وتنويع مصادر الطاقة، والتركيز على شبكة كهرباء أكثر ترابطا وتعزيز إدارة مخاطر الكوارث.

وقال التقرير، إن "ارتفاع درجات الحرارة يشكل مصدر قلق كبير لشبكة الكهرباء، مما يطرح تهديدا للأمن الكهربائي، لأن شبكة العراق تتعرض بالفعل لضغوط كبيرة بسبب النمو السكاني إلى جانب الآثار الناجمة عن سلسلة من الصراعات والحروب التي أثرت بشكل كبير على قطاع الطاقة في العراق خلال العقود الماضية، حيث تسببت حرب الخليج في الفترة 1990-1991 في تدمير 75% من قدرة الشبكة، مما أدى إلى انخفاض القدرة من 9.3 جيجاوات إلى 2.3 جيجاوات، بينما خلال الحرب ضد تنظيم داعش في عام 2010، فإن التقديرات تشير إلى أن 4.5 جيجاوات من قدرة التوليد، تعرضت لأضرار وأصبحت خمس شبكة النقل غير صالحة للعمل".

ورأى التقرير، أن "العراق لم يتعافى بشكل كامل من هذه الأضرار، مما أدى إلى وجود فجوة بين القدرة المتاحة لتوليد الكهرباء وما يسميه القدرة المركبة، حيث تشير وزارة الكهرباء، إلى أن القدرة المركبة تبلغ حوالي 41 جيجاوات بينما تبلغ القدرة المتاحة حوالي 18 جيجاوات.

وأضاف أنه "بينما تتزايد قدرة التوليد بسبب إصلاحات البنية التحتية الجارية وتشغيل محطات جديدة لتوليد الطاقة بالغاز والنفط، إلا أنها لا تزال غير قادرة على تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، بالإضافة إلى أن الافتقار إلى الكفاءة في إنتاج الغاز الطبيعي، قاد إلى الاعتماد الكبير على الواردات من إيران لتلبية الطلب".

وتابع أن "وزارة الكهرباء قدرت في العام 2022، أن "ذروة الطلب قد تتجاوز 34 جيجاوات، مما يشير إلى أنه لا يمكن تلبية ما يقرب من نصف الطلب على الكهرباء بالنظر إلى قدرة التوليد الفعلية"، مشيرا إلى أن "اضطرار المواطنين الى الاعتماد بشكل كبير على مولدات الديزل الخاصة في الأحياء لتكملة إمدادات الشبكة وتخفيف بعض النقص الحاد خلال أشهر الصيف، وهي مولدات تساهم في تلويث نوعية الهواء وتضيف تكاليف كبيرة".

ويقدر التقرير، أنه في العام 2018، كانت أسرة من الطبقة المتوسطة العليا تستهلك حوالي 16000 كيلووات/ساعة سنويا على الشبكة لتلبية ما يقرب من 75% من احتياجاتها من الكهرباء، مع استكمال نسبة 25% المتبقية من الاستهلاك من قبل مولدات الحي.

وأضاف أن "تكاليف الكهرباء من هذه المولدات تعتبر من بين أعلى التكاليف على مستوى العالم"، مضيفا أنه "عند الجمع بين تكاليف الكهرباء من كل من الشبكة ومولدات الاحياء، فان الأسرة تدفع متوسط سعر أعلى بـ8 مرات من متوسط سعر الكهرباء السكني في منطقة الشرق الأوسط". 

وإلى جانب ذلك، حذر التقرير من أن "الجمع بين ارتفاع درجات الحرارة والجفاف قد يؤدي إلى زيادة خطر حرائق الغابات في العراق بشكل كبير، وهي ظاهرة شهدتها كل المحافظات العراقية تقريبا خلال العقدين الماضيين، لكن المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من البلاد شهدت أعلى مستويات المساحة المحروقة".

وأشار التقرير، إلى أن ظروف الجفاف في العراق وسوريا وإيران خلال الفترة من تموز/ يوليو 2020 إلى حزيران/ يونيو 2023، فهذه الظواهر التي تستمر ثلاث سنوات في العراق لم تعد أحداثا نادرة، ولكن يمكن توقع حدوثها على الأقل مرة واحدة كل عقد، ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، تزداد احتمالات الجفاف هذه، مما يشكل تحديات كبيرة للموارد المائية.

وتابع أنه "بالاضافة الى التغيير المناخي، فإن أزمة المياه سببها عدة عوامل، بما في ذلك ارتفاع الطلب المحلي، وتحديات ادارة الموارد المائية، خصوصا في قطاع الزراعة، والبنية التحتية المتضررة، وبناء السدود عند المنبع في الدول المجاورة"، مشيرا إلى أن "حوالي 70% من إمدادات المياه العذبة في العراق يعتمد على مصادر المياه من الدول المجاورة".

 

تهديد للنفط

وذكر التقرير، أن "شح المياه يمثل تهديدا كبيرا لاستخراج النفط والغاز في العراق الذي لا يزال يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز وتمتلك بعضا من أكبر احتياطيات النفط والغاز الطبيعي في العالم"، مشيرا إلى أنه "في العام 2019، كان العراق بحاجة إلى 8 ملايين برميل يوميا من المياه بحلول العام 2030 لإنتاج النفط، وذلك بزيادة 5 مليون برميل يوميا في العام 2019".

 

مخاطر اخرى

وأشار التقرير، إلى أن "ساحل العراق على الخليج ضيق نسبيا، ويمتد حوالي 58 كيلومترا"، مضيفا أن "ارتفاع مستوى سطح البحر المتزايد يشكل مصدرا للقلق".

ولفت إلى أنه "بالنظر إلى أن المناطق الجنوبية من العراق، وهي مسطحة ومنخفضة، فإنها معرضة بدرجة كبيرة للفيضانات الناجمة عن ارتفاع منسوب سطح البحر، وهو خطر يتفاقم في مناطق دلتا دجلة والفرات"، محذرا من أن "البصرة، وهي واحدة من أكبر المدن في العراق، يمكن أن تغمرها المياه بدرجة كبيرة بحلول العام 2050 نتيجة لارتفاع مستوى مياه البحر".

وأشار إلى أن "تركيز البنية التحتية الحيوية مثل الموانئ الرئيسية والطرق والانشطة الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي البنية التحتية للطاقة، في المناطق الساحلية وهو ما يعني أنها تواجه خطرا متزايدا أمام ارتفاع مستوى سطح البحر". 

 

العواصف الرملية

وبعدما قال التقرير، أن هناك عواصف رملية وترابية بانتظام في العراق، حذر من أن عددها وحدتها ازدادت خلال الـ20 سنة الماضية، مضيفا أن التصحر وتدهور الأراضي والجفاف كلها عوامل تساهم في زيادة الأيام الغبارية وحدوث العواصف الرملية والترابية.

وأشار إلى أنه "بالإضافة إلى الآثار الصحية المدمرة، يمكن أن يكون لهذه الأحداث المناخية المتطرفة تأثير كبير على الاقتصاد، إذ من الممكن أن تتسبب العواصف الرملية والترابية في الحاق اضرار بأصول الطاقة والبنية التحتية، مما يزيد من احتياجات الصيانة والتكاليف المرتبطة بها، وربما يؤدي إلى تعطل العمليات"، مضيفا أنه "بما أن الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل كبير على هذه الصادرات من النفط، فإن العواصف الرملية والترابية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على تدفقات الإيرادات إلى البلد".

 

أول مساهمة وطنية

وذكر التقرير، أن العراق قدم في العام 2021، أول مساهماته المحددة وطنيا (NDCs)  الى اتفاقية الامم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) للاطار الزمني 2021-2030، مضيفا أن المساهمات المحددة وطنيا تسلط الضوء على قطاع الطاقة باعتباره أحد القطاعات الأكثر حساسية وعرضة للتغيير المناخي في البلد.

وأوضح التقرير، أنه "من أجل تعزيز القدرة الوطنية على معالجة التداعيات المناخية، فإن هذه المساهمات المحددة وطنيا تركز على زيادة مرونة قطاع الطاقة من خلال برامج التكيف وجهود التخفيف المتزامنة، من خلال تدابير من بينها تعديل مواصفات المعدات الكهربائية لتحمل ارتفاع درجات الحرارة، واستخدام الحلول القائمة على الطبيعة مثل زراعة النباتات حول مواقع إنتاج الطاقة، وتعزيز كفاءة النقل والتوزيع، واعتماد تقنيات مبتكرة للتعامل بشكل أفضل مع ارتفاع درجات الحرارة".

وقال التقرير، إنه "من الممكن أن يساعد تنويع مصادر الطاقة بشكل أكبر في بناء نظام طاقة قادر على التكيف مع المناخ، وانه بالنظر الى التحديات الحالية التي يواجهها قطاع الطاقة، فإن التوسع في الطاقة المتجددة سيكون أساسيا في تحسين الأمن الطاقوي".

وأكمل: أنه من أجل تعزيز تنويع إمدادات الطاقة، أطلق مجلس التعاون الخليجي والعراق مشروع الربط الكهربائي في العام 2023 وهو مشروع يتضمن تنفيذ خط نقل مزدوج يربط مدينة عرعر في السعودية باليوسفية في العام 2023، وخط نقل بين محطة الزور الفرعية في الكويت بمحطة الفاو في العراق.

واعتبر التقرير، أن هذه المبادرات تستهدف تعزيز استقرار وموثوقية أنظمة الطاقة في المنطقة، مما يجعل الشبكة أكثر مرونة في مواجهة الاضطرابات المحتملة، خصوصا خلال شهور الصيف حيث من المتوقع أن تزداد ذروة الطلب على الكهرباء بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

وأشار التقرير، إلى أن العراق أدرك اهمية النظر في تغير المناخ وتأثيراته على قطاع الطاقة، وخصوصا قطاع الكهرباء، مضيفا أن السياسات والأطر الوطنية في هذا المجال، لا تزال في طور التطور، وسيكون من الضروري اتخاذ المزيد من التدابير السياسية لبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ في قطاع الطاقة في العراق.

وختم بالقول: إنه من الضروري بذل المزيد من الجهود الحكومية لإدراج اعتبارات القدرة على التكيف مع تغير المناخ في صميم عملية صنع القرار فيما يتعلق بمشاريع الطاقة، مثل إعادة بناء شبكة الكهرباء وتطويرها وتخطيط مرافق التوليد الجديدة، واعتبر التقرير الدولي، أن المفتاح لهذا التكامل هو الاستثمار في البنية التحتية القادرة على تحمل تأثيرات تغير المناخ مع الحماية ايضا من التهديدات المادية والإلكترونية.

 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-