مع نهاية الحرب على غزة، يتطلع العالم إلى بزوغ فجر جديد في المنطقة يقوم على السلام والاستقرار، وهذا ما عبر عنه الرئيس الأميركي صراحة في خطابه في شرم الشيخ، وعبّر عنه زعماء المنطقة والعالم عبر حضورهم التوقيع على اتفاق إنهاء الحرب.
لكن الأمور قد لا تبدو على هذه الدرجة من
التفاؤل، في ظل حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل، تحاول الهروب إلى الأمام دائما من
استحقاقات داخلية عديدة تنتظرها، وتعتقد أنها أمام فرصة قوية لتغيير البيئة
الإستراتيجية للمنطقة، بعد فشلها الذريع على المستوى الإستراتيجي في غزة، حيث
انتهت الحرب بعد عامين بخسائر سياسية واقتصادية وجيوسياسية كبيرة، لن يعوضها دمار
غزة ولا قتل عشرات آلاف الفلسطينيين، إذ على عكس ما أرادت إسرائيل، لم تشكل حرب
السنتين أية قيمة إضافية على المستوى الجيوسياسي، بقدر ما خصمت من أرصدة إسرائيل
ووزنها الإقليمي والعالمي.
يضاعف هذا الوضع من طاقة الجنون لدى النخبة
اليمينية المتطرفة في إسرائيل، ويدفعها للبحث عن جولات عنف جديدة في المنطقة،
وتصريف فائض القوّة، أو توظيفه لتحقيق منجز إستراتيجي ملموس، وتبدو سوريا واحدة من
أهم الساحات في نظر قادة التطرف الإسرائيلي، التي لديها القابلية لتفريغ شحنات
التطرف الصهيوني.
لماذا سوريا؟
أثبتت المرحلة الماضية مركزية سوريا في التفكير
الإستراتيجي الإسرائيلي لأسباب عديدة.
أولا: تشكّل سوريا قلب مشروع إسرائيل
الجيوسياسي القائم على أساس تغيير الشرق الأوسط، فالتغيير الذي تقصده إسرائيل، من
خلال تصريحات مسؤوليها، يقوم على أساس تفكيك دول المنطقة وخلق كيانات صغيرة على
أسس عرقية وطائفية.
وتعتبر سوريا حالة مثالية لتطبيق الرؤية
الإسرائيلية، نظرا لترابطها الاجتماعي والجغرافي مع العراق وتركيا، وتشبهها إيران
إلى حد بعيد في الفسيفساء العرقية والطائفية، وبالتالي فإن ديناميكيات التغيير في
سوريا ستنتقل تداعياتها إلى باقي دول المنطقة المذكورة، التي تشكل ركائز أساسية في
الشرق الأوسط.
غازي دحمان

