كتب /د.باسل عباس خضير ….
في الأدبيات الإدارية ، هناك العديد من النظريات التي تهتم بالعرض والتعريف والتحليل والتفسير لما تتضمنه الإدارة من تفاصيل ، والإدارة من العلوم المهمة في مختلف الميادين والقطاعات والمجتمعات فكل النشاطات التي تعمل بها الجماعة وتحتوي على موارد وأهداف لابد وان يكون هناك مدير ( رئيس ) للقيام بوظائف عديدة أبرزها ( التخطيط ، التنظيم ، التوجيه ، الرقابة ) ، والإدارة تفرق بين القائد والمدير ، فالمدير ( Manager ) يعين من خلال السلطة او الصلاحية ( Authority ) الممنوحة للأعلى والمدير عليه إتباع مجموعة من الإجراءات والمعايير ضمن حدود المسؤولية ومن الضروري أن يمنح ما يحتاج إليه من صلاحيات ، فالمدير يمثل السلطة الأعلى لتحقيق ما يطلب منه من قرارات لبلوغ ألأهداف ، أما القائد ( Leader ) فيصفونه بأنه الشخص القادر على التأثير بسلوك وبمواقف الآخرين من خلال والإعجاب والاحترام والتقدير والاقتداء به وتنفيذ ما يطلبه منهم من أمور ، والقائد لا يعين من سلطة القرار وإنما غالبا ما يكون اختياره من قبول الآخرين به جماعة او أفراد فهو يستمد القوة ( Power ) التي تمنحه إياه الجماعة فيؤثر بهم ويتأثرون به والقائد يتأثر بعدة عناصر أبرزها ( الظرف ، البيئة ، الجماعة ) ، ومن الممكن أن يتحول المدير إلى قائد أن كان يمتلك الصفات او السمات ( الكارزما ) التي تجعل منه مقنعا للآخرين ويعمل على استثمار ذلك لتحقيق أهداف ( المنظمة ، الأفراد ، المجتمع ) ، والقائد ليس بالضرورة أن يكون مديرا ولكن المدير من الممكن أن يكون قائدا إذا استطاع أن يحظى بقبول ورضا الآخرين إلى جانب ما يتمتع به من سلطات ، والمدير الناجح هو من يسعى ويعمل بالفعل لان يهيأ العوامل التي تجعل منه مديرا - قائدا لا لأغراض الدعاية والمحاباة وخداع الآخرين وإنما باستثمار هامش السلطة والقبول لتكون له القوة والتأثير في تحقيق الأهداف ، و وينبغي أن تكون واحدة من معايير تقييم أداء المدير هي قدرته في أن يكون قائدا ضمن ظرف وجماعة ، وهي قضية مرغوبة طالما تحقق الأهداف المشتركة لجميع الأطراف وليس أهدافه الشخصية فحسب ، وما نتحدث عنه هنا لا يتعلق ببلدنا و إنما عن الإدارة بالعموم التي تنتهجها كل الشعوب والبلدان .
ومن الناحيتين النظرية والعملية ، فليس كل مدير قادرا على إن يكون قائدا في محيط عمله ويعود ذلك لعدة أسباب فالقيادة ( ملكة ) ولها مجموعة من المتطلبات والسمات والصفات والتوجهات ، ومن أنماط الإدارة الدارجة هي ( التوجه للعمل ، التوجه للأفراد ، الجمع بين الاثنين ) ، فالتوجه للعمل يعني تركيز المدير على البيروقراطية وانجاز الأعمال على وفق التوصيف والابتعاد عن مشاعر وعواطف العاملين فألاهم هو الانجاز كأعلى الأسبقيات وتطلق تسمية ( المدير المقاول ) على هذا النمط من المدراء ، أما النمط الثاني الذي يسمونه ( مدير النادي الاجتماعي ) فهو يهتم في التوجه على العلاقات اذ يركز على ما يهم الأفراد العاملين من خلال العمل على إيجاد الظرف الملائم لعملهم وأشعار كل منهم بأنه إنسان يستحق الاهتمام وهم الأساس في كل الأشياء ، ويعتقد أتباع هذا النمط إنهم يخالفون النمط الأول في أنهم يستطيعون بلوغ الأهداف من خلال رضا وقبول الأفراد أكثر من فرض الوصايا وتطبيق اللوائح والتعليمات ، فالأعمال تنجز من خلال الأفراد وليس بوساطتهم فحسب ، أما النمط الثالث فان ما يطلقون عليه نمط ( المدير التوفيقي ) كونه يجمع بين النمطين ، إذ يسعى للاهتمام بالعمل إلى جانب الاهتمام بالعاملين متى ما سمحت الظروف بذلك ، وأصحاب هذا النمط يرجح بأن ينجزوا الأعمال بإتقان و ضمن الزمن المطلوب إدراكا من الجماعة بان نسبة تكثيف استخدام السلطة والضغط عليهم محكوما بالظرف ، وهذا النمط من القيادة يسعى لبلوغه الكثير ولكنه يصطدم بمجموعة من المعوقات والتحديات فهو وان كان ايجابيا إلا انه لا يصلح لكل فرد او ظرف وزمان ومكان .
وما يحير الكثير من المرؤوسين او العاملين هو تعاملهم مع مدراء لا هم من نمط المتوجهين إلى العمل ولا هم من نمط المتوجهين للعلاقات ولا هم توفيقيون ، ويطلقون عليه نمط المدير الفاشل وربما البعض يطلقون عليه ( الحقير ) ، وهذا النمط غير مألوف او مرغوب لا في أدبيات الإدارية ولا في التطبيق ولكنه شائع الاستخدام وله رواج هنا او هناك ، ويعتقد البعض إنها متلازمة من مظاهرها ( الأنانية وحب الذات والتعالي والشعور بالفوقية و القصد في حرمان الآخرين من الحقوق او الامتيازات وتخصيص الكثير من الموارد المتاحة لتحقيق أهدافه الذاتية من خلال الاهتمام بالمكتب وتشكيل الشللية وتسخير المنافقين كجواسيس له ونقل كل ما هو غير سار للعاملين ) ، كما إن من سلوكه صناعة الفرقة والجمع بين إفراد متنافرين والتفريق بين المنسجمين في بيئة العمل لإحداث الصراع بينهم ، ناهيك عن تقريب محدودي ومعدومي الكفاءات وجعلهم جزءا من صناعة القرار بما يلحق الأذى او عدم مراعاة مصالح الباقين ، والغريب إن اغلب هؤلاء هم من يديرون الأعمال على سبيل التكليف ظنا منهم إن ( الخبث ) يشكل مصدر قوة لهم يتباهون بها لدى متخذي القرار الأعلى أملا بجعلهم دائمين ، وبسبب الانغماس الشديد بالزهو والشعور العالي بالذات فأنهم يركزون على رموز المكانة من الحمايات والأثاث والسيارات والسكرتارية المتشددة ، وإنهم غالبا ما يتجاهلون حقيقة إنهم جزءا من العاملين ومن الممكن أن يتحولوا إليهم في أي وقت من الأوقات ، وهم يتناسون الحكمة الدارجة ( لو دامت لغيرك ما وصلت إليك ) ، ونمط الإدارة ( الحقير) يشكل خطرا بالغا على الأفراد وسمعة المنظمة ويسبب أضرارا واعتلال نفسي لدى العاملين وربما الجمهور بما يجعلهم يشكلون مواقف رافضة اتجاه هذا النمط الدخيل في الإدارات ، ومن الغريب إن أصحاب هذا النمط عندما تنتهي مهماتهم الإدارية بطريقة ما ، فأنهم سرعان ما يسعون لان يتحولوا إلى إنسانيين ويحاولون أن يتحولوا لقادة غير رسميين متناسين ما سببوه من أذى و آثار وأضرار على الآخرين وكأنهم يمتلكون ذاكرة ضعيفة ويعتقدون إن الآخرين سريعو بالنسيان ، ولكن الآخرون ليسوا كذلك لأنهم كونوا مواقف ومدركات اتجاههم ولا يمكن أن تمحو بمجرد كلمات فيها اعتذار وتبريرات ، فعند إسقاط السلطة الرسمية عنهم فإنهم لم يعودوا يمتلكون ما يقدمونه من تعويض للمتضررين ، وفي أحيان كثيرة فان أول من يتبرأ من أعمال هؤلاء هم ممن استخدموهم في تنفيذ ما كان يطلب منهم من ابخس ألإعمال ، لذا فان بعضهم يجد صعوبات في التكيف فأما أن يبقى بحالة انعزال او إنهم يسعون للنقل او الخروج من الوظيفة كوسائل للهروب .
وان ما يثير التعجب في التزام هذا الصنف الدخيل إنهم ليس بالضرورة أن يكون ممارسيه جميعا من الطارئين و( العتاكة ) وضعيفي التعليم ، فقد يشاركهم فيه من هم بدرجات وتخصصات علمية ممن يعتقدون إن الإدارة تدار بالطريقة التي هم بها يختارون ، وهناك من يسال هل إن هؤلاء يتحملون مسؤولية تحولهم للأسلوب الحقير او إن ذلك يقع على عاتق من اختارهم او من شجعهم لذلك ، وفي كل الأحوال فان تواجد هؤلاء يعطي درسا لمن يريد تحقيق الكفاءة والفاعلية في عمل المنظمات ( التجمعات التي يعمل فيها أفراد ولها موارد وأهداف ) ، فالمنظمات لا تدار بالصدفة او بأية طريقة بعيدة عن المنطق والقياسات كما يعتقد هذا وذاك ، فالإدارة مزيج من العلم والفن والمهارات والخبرة والسمات ولا تعتمد على الفطرة والصدفة والأداء فيها ليس ثابتا وإنما يحتاج إلى التنمية والتطوير ، ولا باس أن يكون المقربين او ممن فيهم بعض الصفات تناط بهم مسؤولية الإدارة ولكن لابد من إعدادهم بالشكل القياسي الصحيح لكي لا يتحملوا إثم الأداء ، وينبغي ممن يمتلك سلطة القرار في وضع الإدارات في كل القطاعات المملوكة للدول او القطاع الخاص أن يكون دقيقا في الاختيار ليتحمل فيما يلي من نتائج وانعكاسات ربما تنعكس على سمعة من تولاه ، فالاختيار أمانة ومسؤولية وممارسة العمل الإداري أمانة ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا - الأحزاب : ٧٢﴾ ، ومن الواجب الشرعي والأخلاقي الحذر ثم الحذر من إسناد الأعمال لا تباع النمط ( الحقير ) في الإدارة ، كونه خارج المألوف من الأنماط فالإنسانية غاية الإدارة بكل الحالات .