أخر الاخبار

قراءة في التمرّد الكبير ضد "إسرائيل" والصهيونية في قاعدة ترامب الشعبوية

 

 


تميد الأرض تحت قدمي الرئيس الأميركي دونالد ترامب من جرّاء الانقسام المتزايد بين تيارات اليمين الشعبوي في الولايات المتحدة بشأن الموقف الواجب اتخاذه من حرب الإبادة والتجويع في غزة، والدعم الأميركي للكيان الصهيوني بعامّة، ولسياسات حكومة نتنياهو بخاصّة

تأجج حوارٌ علنيٌ في الحيّز العام، في موازاة ذلك كله، بشأن النفوذ الصهيوني في الحياة السياسية الأميركية، كما تجلّى مؤخراً في ملف قضية تاجر الأطفال جيفري إبستين Epstein، والذي يبدو أنه وعمليته واسعة النطاق لتأمين الأطفال والمراهقين والمراهقات لـ "نخبة المجتمع الراقي" كانا مرتبطين بالموساد بغرض الابتزاز، كما تؤكّد أكثر من شخصية بارزة في صفوف التيار الداعم لترامب في فيديوهات حظيت بملايين المشاهدات.

تُوَجَّه تهمةُ ارتباط إبستين بالموساد، بالمناسبة، من طيفٍ واسعٍ من الشخصيات والإعلاميين عبر خطوط الأيديولوجيا والانتماءات السياسية، من جورج غالاوي على اليسار، والذي نشر فيديو في 14/7/2025 بعنوان "إبستين كان عميلاً إسرائيلياً"، حظي بـ 172 ألف مشاهدة؛ إلى عدد من ضحايا إبستين البارزين الذين كبروا وأصبحوا معروفين، مثل الناشطة والمؤلفة فيرجينيا جوفري Giuffre؛ إلى آري بن مناشي Ari Ben-Menashe، المسؤول السابق في الموساد، وتاجر السلاح الدولي، وأحد أعمدة اللوبي الصهيوني شمالي أميركا؛ إلى ستيفن جوود هوفنبيرغ Hoffenberg، شريك إبستين السابق، الذي توفي سنة 2022، وهو يهودي من نيويورك سبق أن أدين باختلاس 475 مليون دولار من آلاف المستثمرين الذين اجتذبهم إلى مشروعه المالي المزيّف Towers Financial.

لكنّ ذلك كله لا يؤثّر في ترامب وفريقه الحاكم كما يؤثّر بهما توجيه شخصيات مؤثّرة معروفة في اليمين الشعبوي، مثل تاكر كارلسون Tucker Carlson، ومثل ميغِن كَلي Megyn Kelly، وانتبهوا لهاتين الشخصيتين جيداً، اتهاماً مباشراً للموساد بأنه يقف خلف عملية إبستين، ليبدأ بعد ذلك طرح تساؤلات خطيرة بشأن ملفات الابتزاز، والنفوذ الصهيوني المتضخّم في الولايات المتحدة، وأثره في توجيه دفة السياسات الأميركية، ومعنى ذلك بالنسبة لتيار بنى سمعته على مبدأ "أميركا أولاً" America First.

بات تاكر كارلسون بالذات يشكّل صداعاً رهيباً للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، إذ إنّ مداخلاته المؤثّرة لا تقتصر على قصة إبستين، بل تحوّلت إلى صراعٍ مفتوحٍ مع نتنياهو، واللوبي الصهيوني.

وما أدراك ما تاكر كارلسون!  نتحدّث عن 21 مليون متابع بين منصتي "يوتيوب" و"أكس"، مع العلم أنه لا يمتلك قناة رسمية على "يوتيوب"، بل يعتمد على أنصاره في إعادة توزيع موادّه. 

وبالنسبة لمعلّق سياسي، يتناول شؤوناً جدّية، ويتخذ مواقف تُعدّ خلافيّة، فإنه يعدّ حالياً أقوى مؤثّر في اليمين الشعبوي، ومن أقوى المؤثّرين سياسياً باللغة الإنكليزية.

عندما يخوض تاكر كارلسون إذاً حرباً مفتوحةً ضدّ دعم "إسرائيل"، وضدّ الأثر الصهيوني في المشهد السياسي الأميركي، ويرفع صوته معترضاً على الجرائم الصهيونية في غزة، فإنه يحقّق اختراقاتٍ عميقة في جدار الوعي الزائف الذي ما برحت تصقله وسائل الإعلام الرئيسة المسيطر عليها صهيونياً.

تنعكس المعركة التي يخوضها كارلسون على ميغِن كَلي مثلاً، والتي سبق ذكرها أعلاه، وهي مؤثّرة لديها أكثر من 4 ملايين مشترك في قناتها في "يوتيوب"، ونحو 3.7 ملايين متابع في منصة "أكس".  وهي شخصية لم تُعرَف بعدائها للحركة الصهيونية، بل لديها تصريحات معيبة تبرّر ضمناً جرائم الاحتلال الصهيوني في غزة. 

لكنها "تجرّأت"، في السياق ذاته، على توجيه النصيحة الآتية إلى "إسرائيل": "إنّ الطريقة التي تديرون بها الحرب تخسّركم إعلامياً بشدة"، وهي الخبيرة في ذلك الشأن طبعاً، فقامت القيامة عليها.   

اتهمت ميغِن كَلي بـ "معاداة السامية"، لأنها رفضت إدانة آراء كارلسون وغيره، وسنأتي إلى بعض هؤلاء، ولأنها تحدّثت عن أثر "إيباك"، اللوبي "الإسرائيلي" في واشنطن، في تشكيل مواقف السياسيين الأميركيين، ولأنها استضافت في برنامجها شخصيات يمينية شعبوية مناهضة لتقديم الدعم الأميركي للعدو الصهيوني، مثل النائبة في الكونغرس مارجوري تايلر غرين، المعروفة بـ MTG.

مارجوري تايلر غرين Marjorie Taylor Greene قصة بحدّ ذاتها. فهي من أكثر رموز اليمين الشعبوي شعبيةً، وكانت رأس حربة ترامب في الكونغرس الأميركي الذي انتخبت عضوةً فيه 3 مرات متتالية، وشاركت مع ترامب في محاولة قلب نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية سنة 2020. 

لكنها، منذ 7 أكتوبر، بدأت مساراً ناقداً لـ "إسرائيل"، على الرغم من إدانتها الشديدة والثابتة لعملية "طوفان الأقصى" المجيدة، لتصل إلى وصف حملة الكيان الصهيوني في غزة بأنها "إبادة جماعية" و"تجويع"، وذلك في تغريدة في منصة "أكس" في 29/7/2025.  وكانت أول نائب جمهوري يطلق مثل ذلك الوصف على ما يجري في غزة.

وَقَفَت MTG ضدّ العدوان الأميركي على إيران الذي اتهمت "إسرائيل" ببدئه. كما أنها اقترحت تعديلاً في الموازنة العسكرية توقِف الولايات المتحدة بموجبه الدعم المالي لمشروع "القبة الحديدية"، وكانت من النواب الستة الذين صوّتوا لمصلحة ذلك التعديل الذي لم يمرّ طبعاً، وراحت تدعو علناً لإيقاف الدعم المالي الذي تقدّمه الولايات المتحدة للكيان الصهيوني.

لكم أن تتخيّلوا الصراع الذي نشأ بعدها مع الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة، ولا سيما اللوبي "الإسرائيلي" في واشنطن (إيباك). 

وفي "بودكاست" مع ميغِن كَلي، نُشر في موقع "يوتيوب" في  19/ 8/2025، وحظي بأكثر من 300 ألف مشاهدة حتى اليوم، راحت الاثنتان تشويان لوبي "إيباك" على الفحم، حتى فاحت رائحته في فضاء الإنترنت. 

من البديهي أنّ ذلك لم يرفع من أسهم ميغِن كَلي أبداً لدى الحركة الصهيونية، على الرغم من حرصها الشديد على صياغة مواقفها بصورة أكثر "اعتدالاً"، وأدنى سقفاً من مارجوري تايلور غرين أو تاكر كارلسون، اللذين يصرّان بدورهما أنهما ليسا ضدّ اليهود، بل ضدّ سياسات حكومة نتنياهو وضدّ النفوذ الإسرائيلي في الولايات المتحدة.

وإن كان تاكر كارلسون، الأكثر شراسةً، قد أفلتت منه أكثر من مرة تعابير مثل: "أكرهُ المسيحيين الصهاينة أكثر من أيّ شيء آخر"...، و"الصهيونية عبارة عن هجوم على الحضارة الغربية". وهو يدعو لسحب جنسيات الأميركيين الذين يخدمون في "جيش الدفاع الإسرائيلي".  لذلك، فإنه يُتهم بـ "العداء للسامية".

بالعودة إلى مارجوري تايلور غرين، فإنها وجدت نفسها في صراعٍ مفتوح مع الرئيس ترامب بعدما انتقدته في تغريدة في 10/11/2025 الفائت عقب لقائه أبي محمد الجولاني في البيت الأبيض، داعيةً إياه للتركيز بصورة أكبر على الشؤون المحلية الأميركية. 

استدعى ذلك رداً من ترامب، هادئاً في البداية، ثم حاداً، بعد أن أعلن ترامب في 14/11/2025 سحب دعمه لها، داعياً الجمهوريين إلى الترشّح ضدّها في ولاية جورجيا، وواصفاً إياها بأنها "حمقاء" مرة، وبأنها "خائنة" مرة أخرى.

أعلنت غرين، من جهتها، أنّ ترامب ليس غاضباً منها بسبب مواقفها في السياسة الخارجية، أو حتى من خروجها عن السرب الجمهوري في معركة الإغلاق الحكومي في الكونغرس، بل نتيجة إصرارها على الكشف عن ملفات إبستين، مع إيحاءات بأنّ ترامب خاضع لابتزاز الموساد. 

وفي مؤتمر صحفي في مقر الكونغرس في 18/11/2025، قالت غرين إنّ ملفات إبستين تمزِّق تيار "اجعلوا أميركا عظيمةً مجدّداً" - ماغا (MAGA)، أي تيار ترامب، وأردفت: "دعني أخبركم من هو الخائن... إنه الأميركي الذي يخدم بلداناً أجنبية ونفسه". 

من دون غطاء ترامب والحزب، أعلنت غرين استقالتها من الكونغرس في 21/11/2025، اعتباراً من بداية العام المقبل، مضيفةً في رسالة استقالتها أنّ أعضاء الكونغرس مرتهنون للمصالح الخاصة. 

أضف إلى ذلك تلقّيها سلسلة تهديدات، كما كشفت. وهي تهديدات كان لا بدّ من أخذها على محمل الجدّ، بالنظر إلى ما جرى لشخصية شابة كانت تُعَدّ لتولّي منصب رئاسة الولايات المتحدة، كما يبدو، هي الناشط اليميني الشعبوي، والمؤثّر الاجتماعي الفعّال، تشارلي كيرك Charlie Kirk، والذي اغتيل وهو يتحدّث إلى الطلبة في "جامعة وادي يوتا" الحكومية الأميركية، في 10/9/2025.

تشارلي كيرك، المسيحي المتصهين، وأحد أبرز أصوات تيار "ماغا" في الحزب الجمهوري والقاعدة الشبابية الأميركية، هو مؤسس منظّمة "نقطة تحوّل الولايات المتحدة" TPUSA، وهي منظّمة تأسست سنة 2012، وجرى تفعيلها بقوة العام الفائت للتصدّي للنَفَس المناهض للصهيونية و"إسرائيل" الذي بزغ في الجامعات الأميركية بعد حرب غزة.

كما أنه مضيف برنامج "بودكاست" شهير يحمل اسمه موجّه للشباب تحت سن الـ 30 تشير الإحصاءات أنه كان يُحمَّل بين نصف المليون وثلاثة أرباع المليون مرة يومياً سنة 2024، وانتبهوا لـ"يومياً" هنا. 

أما بالنسبة لعدد متابعيه شخصياً في وسائل التواصل، فإنه قفز عدة ملايين بعد اغتياله. لكنْ، وبحسب أحد المراجع المختصة يوم 11/9/2025، فإنّ عدد متابعيه عشية اغتياله كان 7.3 ملايين في تيك توك، 7 ملايين في إنستغرام، 5 ملايين في منصة أكس، و3.5 ملايين مشترك في قناته في يوتيوب.  

وبعد أقلّ من 10 أيام على اغتياله، ارتفع عدد متابعيه في إنستغرام إلى أكثر من 13 مليوناً مثلاً، وهكذا.

خلال البحث المكثّف إعداداً لهذه المقالة، اكتشفت أمرين مهمين جداً قد يغيبان أيضاً عن الباحثين والكتّاب الذين يعتمدون القراءة أكثر من مشاهدة الفيديوهات، وخصوصاً تلك التي يتداولها الشباب الأميركي، وهما:

أولاً، وجود عالم موازٍ بالكامل من المؤثّرين والبرامج يتفاعل معه الشباب الأميركي بعيداً من وسائل الإعلام الرئيسة المضبوطة بصورة أكثر بكثير صهيونياً وإمبريالياً.  وهذا أحد أهم عوامل تحوّل الشباب الأميركي ضدّ "إسرائيل"، لمن اطلع على استطلاعات الرأي. 

على جهة اليمين الشعبوبي في الولايات المتحدة، تشعُّ في سماء ذلك العالم الموازي نجومٌ لامعةٌ مثل تشارلي كيرك، وزميلته المؤسِسَة في منظمة TPUSA، ومثل المؤثّرة كانديس أوينز Candace Owens، والتي انطلقت في بداياتها من خلفيّة صهيونية مسيحية لتنخرط حالياً، بأثر حرب غزة وتبعاتها، في حربٍ شعواء على نتنياهو و"إسرائيل" واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. 

ولدى المؤثّرة أوينز نحو 7.4 ملايين متابع في منصة أكس، و6.5 ملايين في إنستغرام، وأكثر من 5.6 ملايين مشترك في قناتها على يوتيوب. وهي ذاتها التي قاضاها قصر الإليزيه في فرنسا لأنها اتهمت بريجيت ماكرون، زوجة الرئيس ماكرون، بأنها رجل "متحوّل جنسياً". 

هناك أيضاً المؤثّر الشاب الصاعد صعوداً صاروخياً نِك فوينتِس Nick Fuentes، الذي يمثّل السقف الأعلى في مناهضة الصهيونية، بالاسم، في بيئة اليمين الشعبوي، والذي تعرّض لمحاولة اغتيال قُتِل منفّذها أمام منزل فوينتِس، بعد أن جرى نشر صورة لمنزله مع العنوان في آلاف الحسابات. 

ثانياً، أن تشارلي كيرك، بما يمثّله من كتلة شبابية ضخمة في اليمين الشعبوي، وكان مسؤول التنظيم الطلابي في تيار "ماغا"، بدأت تراوده تحفّظات قوية بشأن "إسرائيل" ونهجها في غزة، ودعمها أميركياً، وإزاء السياسات الأميركية المجيّرة لخدمتها. وقد كُشِف مؤخراً أنه ذهب إلى البيت الأبيض قبيل الضربة على إيران طالباً من ترامب عدم الانخراط في الحرب، فقابله الأخير وسمعه ووبّخه وطرده.

لكنْ، تبين أنّ مؤثّري اليمين الشعبوي يوجّهون تهمة قتل تشارلي كيرك إلى الموساد نتيجة التحوّلات التي طرأت على خطابه ونهجه في الأسابيع التي سبقت اغتياله. وكان ذلك، كما يبدو، نتيجة تفاعله مع القاعدة الشبابية التي شعر أنه سيخسرها، وستخسرها "إسرائيل"، كما قال في رسالة خاصة لنتنياهو، إذا أصرّ على اتباع الخط الرسمي الصهيوني إعلامياً، وخصوصاً أنّ 24% فقط من شباب الحزب الجمهوري باتوا يؤيّدون "إسرائيل". 

دفع تشارلي كيرك ثمن شعبيته الكبيرة بعد محاولته استيعاب النَفَس المناهض للسياسات الإسرائيلية في القاعدة الشبابية لليمين الشعبوي، فاستقبل المعلّق تاكر كارلسون في المؤتمر الشبابي الذي نظّمه، وناشطاً يهودياً مناهضاً لنتنياهو، وميغِن كَلي، حيث قيل في ذلك المؤتمر أيضاً إنّ ملفات إبستين عملية أدارها الموساد، فجن جنون اللوبي الإسرائيلي عليه.

 

كان اللوبي يظنّ أنه يمتلك تشارلي كيرك، إذ إنه تبنّاه عندما كان في الثامنة عشرة من عمره، سنة 2012، وموّله عبر "مركز الحرية ديفيد هورويتز" التابع للمحافظين الجدد، كما كشف الصحافي المعروف ماكس بلومنثال في موقعه "ذا غراي زوون" عشية اغتيال كيرك، في 12/9/2025. 

أضاف ذلك التقرير أنّ الملياردير اليهودي الصهيوني بِل آكمن، نظّم لقاءً مع كيرك وناوله الهاتف، ليجد نتنياهو على الخط، فعرض نتنياهو على كيرك كمية كبيرة من الدولارات لإعادة إطلاق منظمته TPUSA على نطاقٍ أوسع بكثير، على أن يلاقيه في القدس المحتلة، فرفض كيرك، وكان ذلك قبل أسبوعين فحسب من مقتله.  

هي مشكلة يعانيها العملاء الذين يكبرون أكثر مما يجب، أو يظنون ذلك، فيخرجون عن النص حفاظاً على مواقعهم وقاعدتهم، فتجري تصفيتهم.

لمن يريد القصة في فيديو، ابحث عن حلقة "حملة الضغط الإسرائيلية على تشارلي كيرك"، في قناة الصحافي الأميركي كريس هَدجِز، في 19/9/2025، والتي حظيت بـ 865 ألف مشاهدة.

وإذا أردتم صوتاً صديقاً لمحور المقاومة، أنظروا حلقة جورج غالاوي عن تشارلي كيرك في 15/9/2025، والتي حظيت بأكثر من نصف مليون مشاهدة، والتي تنحو بالاتجاه ذاته.

ولا تغيب رسالة اغتيال تشارلي كيرك، أو محاولة اغتيال فوينتِس، عن النائبة مارجوري تايلور غرين طبعاً.

ثمّة أصوات أخرى مناهضة للسياسات "الإسرائيلية" في المشهد الأميركي، منها الإعلامية آنا كاسباريان Ana Kasparian مثلاً، والتي تقتطف مجموعات المقاومة في وسائل التواصل كثيراً من فيديوهاتها، وهي ليست من تيار "ماغا"، بل تُعدّ أقرب ليسار الوسط، لذلك لم أوردها هنا.

هناك أيضاً شخصيات غير سياسية، لكنها تمتلك موقفاً سياسياً، مثل مغني الراب ومصمّم الأزياء كانييه وست، المعروف بلقب Ye، وهو زوج كيم كارداشيان السابق، وهو مناهض للصهيونية بشراسة، ويعلن رفضه لأساطير "المحرقة". 

على الرغم من ذلك، استضافه ترامب مع نِك فوِنتِيس، المذكور أعلاه، على العشاء في البيت الأبيض قبل 10 أيام. 

ويملك كانييه، وهو أميركي من أصل أفريقي، عشرات ملايين المتابعين في حساباته، وهو يخوض حرباً ضارية مع اللوبي الصهيوني.  لكنّ ترامب الحسّاس أبداً لميزان الرأي العامّ، لأنه رجل "صورة" في المحصّلة، ويتقن التلاعب بها، لا يريد أن يفقد الصلة مع القاعدة الشعبية، مما يؤلم اللوبي. 

لذلك، عندما قال زُهران ممداني فوق رأسه في البيت الأبيض إنّ الولايات المتحدة تموّل الإبادة الجماعية في غزة، صمتَ ترامب، مع أنه معروف برعونته، وميله إلى إهانة من يضايقه علناً. فقد بات دعم الكيان الصهيوني مكلفاً شعبياً في المشهد السياسي الأميركي، وترامب يدرك ذلك جيداً.

كما أنّ نِك فوينتس قصة كبيرة جداً بحدّ ذاته، وعندما استضافه تاكر كارلسون في برنامجه، شنّ اللوبي حملة ضارية على كارلسون، وما زالت تلك الاستضافة الخلافيّة حديث الساعة. 

وكان فوينتس محظوراً من كلّ وسائل التواصل، وعندما سمح له باستعادة حسابه في منصة أكس قبل 6 أشهر فقط، تبعه أكثر من مليون... 

في المحصّلة، نتحدّث هنا عن انقلاب ضدّ الصهيونية أو "إسرائيل" أو نتيناهو في معقلها، في صفوف تيار كان يُحسب معظمه على المسيحية المتصهينة، تيار قومي أميركي، متعصّب دينياً، يؤمن بتفوّق الغرب حضارياً، تيار مناهض للمقاومة وفلسطين، وللهجرة والمهاجرين، وللعرب والمسلمين، لم يُعد مجمعاً على دعم الكيان الصهيوني.  

وهذا كلّه لم يكن شيئاً يمكن تصوّره قبل حرب غزة، وهو بعض ثمرات "طوفان الأقصى"، على الرغم من كلّ الألم والمعاناة.  

 

                                                                           إبراهيم علوش

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-